الشباب في قبضة تحديات تيك توك.. هل يستحق الأمر المخاطرة من أجل المتابعين؟
الشباب في قبضة تحديات تيك توك.. هل يستحق الأمر المخاطرة من أجل المتابعين؟
في عالم مليء بالتطور التكنولوجي السريع، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، مثل "تيك توك"، محورًا أساسيًا في حياة ملايين الشباب، هذه المنصات لا تقدم فقط فرصة للتواصل والتفاعل الاجتماعي، بل أصبحت أيضًا مصدرًا للشهرة السريعة والمكاسب المالية، ما دفع بعض الشباب إلى تنفيذ تحديات قد تكون محفوفة بالمخاطر بهدف جذب الانتباه والحصول على مكافآت مادية أو معنوية.
وفي هذا السياق، تبرز العديد من القضايا المتعلقة بتأثير هذه الظاهرة على الشباب، لا سيما مع تزايد الحوادث المرتبطة بها، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى فقدان الأرواح.
ويواصل الدفاع المدني في مدينة طنجة، شمالي المغرب، عمليات البحث عن شاب معروف بتنفيذ تحديات على منصة "تيك توك"، بعد أن اختفى عن الأنظار خلال تنفيذه لأحد التحديات الخطيرة.. الشاب، الذي اشتهر بمشاركة التحديات على منصات التواصل الاجتماعي، قرر خوض مغامرة غير محسوبة العواقب عندما صور مقطع فيديو وهو يشعل النار في ملابسه ثم يطفئها بالقفز في مياه أحد شواطئ مدينة طنجة.
وتؤكد هذه الحادثة المدى الذي قد يذهب إليه الشباب في سبيل الحصول على إعجاب المتابعين أو حتى المال من خلال محتوى قد يبدو ظاهريًا غير مؤذٍ، لكنه في الواقع قد يشكل تهديدًا حقيقيًا لحياتهم.
ويهدف الشباب الذين يمارسون هذه التحديات على منصات مثل "تيك توك" في الغالب إلى جذب الأنظار وتحقيق الشهرة في مجتمع يشجع على التميز الرقمي. وفقًا لبيانات نشرها "مركز البحوث الرقمية" في 2023، أظهرت أن 65% من مستخدمي "تيك توك" في المنطقة العربية يتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا، وهي الفئة الأكثر انخراطًا في هذا النوع من الأنشطة.
القيام بأفعال قد تكون كارثية
ظاهرة التحديات على "تيك توك" لم تقتصر على مجرد مغامرات فردية، بل أصبحت جزءًا من ثقافة استهلاكية تشجع الشباب على تحدي الحدود الطبيعية والقيام بأفعال قد تكون كارثية في ذات السياق، يمكن ربط هذه الظاهرة بالبحث المستمر عن المكاسب المالية، حيث يعتقد البعض أن تحقيق الشهرة على المنصات الاجتماعية يعني بالضرورة الحصول على فرص تجارية، مثل الرعاية الإعلانية أو عقود مع علامات تجارية.
ووفقًا لإحصائيات نشرتها "مؤسسة الإعلام الرقمي" في 2023، 39% من الشباب في العالم العربي الذين يشاركون في تحديات على منصات مثل "تيك توك" يفعلون ذلك بهدف الحصول على دخل مادي، معتمدين على الإعلانات أو الترويج للمنتجات.
ما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا هو أن العديد من هؤلاء الشباب لا يملكون الوعي الكافي بمخاطر هذه التحديات، ففي الوقت الذي يتزايد فيه استخدام هذه المنصات بشكل ملحوظ، يُلاحظ أن الحكومات والمؤسسات التعليمية والصحية لا تزال تواجه صعوبة في مواجهة تأثير هذه الظواهر.
وأظهرت دراسة نشرتها "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" في 2023 أن 55% من الشباب الذين يتابعون أو يشاركون في تحديات عبر "تيك توك" يعانون من مشاكل في التقدير الحذر للمخاطر، وهو ما يعكس غياب الثقافة الرقمية المتكاملة التي تواكب تطور وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهة أخرى، نجد أن تأثير هذه التحديات لا يقتصر على الأضرار المادية أو النفسية التي قد تلحق بالشباب أنفسهم، بل يمتد ليشمل تأثيرات اجتماعية عميقة، فالشباب الذين يتعرضون لحوادث نتيجة لهذه التحديات قد يشكلون عبئًا على النظام الصحي في بلادهم، حيث يضطر العديد من المصابين إلى تلقي العلاجات الطبية المكلفة.
ولعل إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا في هذا السياق هي غياب الرقابة الكافية على المحتوى الذي يُنشر على منصات مثل "تيك توك"، ورغم الجهود التي تبذلها بعض الحكومات لضبط المحتوى الرقمي، لا يزال من الصعب تتبع المحتوى المضر أو المتطرف في الوقت الفعلي.
مخاطر مدمرة
وقال الخبير الاجتماعي والأكاديمي، طه أبو الحسن، إن الشباب هم الأكثر تأثيرًا واندفاعًا وراء هذه الظاهرة، فمع تزايد استخدام "تيك توك"، ظهر ما يعرف بتحديات "تيك توك"، وهي نوع من النشاطات التي يقوم بها الشباب لتحقيق الشهرة السريعة أو لجذب المتابعين عبر الإنترنت في كثير من الأحيان، تكون هذه التحديات محط أنظار المتابعين، ولكن في بعض الحالات، تحمل معها مخاطر جسيمة قد تؤدي إلى نتائج مأساوية.
وتابع أبو الحسن، في تصريحات لـ"جسور بوست"، الشباب الذين يشاركون في هذه التحديات لا يقتصر هدفهم على التسلية أو قضاء وقت فراغهم، بل تسود بينهم رغبة قوية في جمع المال أو تعزيز مكانتهم الاجتماعية من خلال التفاعل الرقمي، حيث إن الوصول إلى الشهرة على منصات مثل "تيك توك" قد يعكس صورة من النجاح الاجتماعي والمالي في نظرهم.
واسترسل، خلف هذه الرغبة الجامحة في جمع المال والشهرة، يوجد تهديد حقيقي للمجتمع ككل، ففي سبيل تحقيق هذا الهدف، قد يتجاهل الشباب تمامًا المخاطر الصحية والنفسية التي قد تترتب على هذه التحديات، فالبعض منهم قد يشارك في تحديات تتضمن تصرفات قد تصل إلى تهديد حياتهم.
وقال إن المجتمع كله يتأثر بشكل غير مباشر بهذه الظاهرة، فالمجتمعات التي تعتمد بشكل كبير على التقنيات الحديثة والنشاطات الرقمية تشهد تغييرات سلوكية بين أفرادها. الشباب، الذين قد يكونون في مرحلة صعبة من حياتهم، حيث يسعون لإثبات أنفسهم، يجدون في هذه التحديات متنفسًا لهوياتهم الاجتماعية، لكن هذا التوجه لا يكون بدون ثمن، فهناك تأثيرات سلبية قد تتجلى في الأضرار النفسية الناتجة عن البحث المستمر عن الاعتراف الاجتماعي، حيث يصبح الشاب مهووسًا بالظهور على حساب تحقيق النجاح الحقيقي في الحياة، وهو تحول عميق في القيم الاجتماعية.
وقال إن الأضرار النفسية والجسدية التي قد تنجم عن هذه التحديات تشكل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة ولكن الأخطر من ذلك هو غياب الرقابة الحقيقية على هذه المنصات، وعدم وجود قوانين أو آليات فعالة لمنع نشر التحديات المدمرة. في الواقع، لا تزال معظم منصات التواصل الاجتماعي، بما فيها "تيك توك"، تتحمل قدرًا ضئيلاً من المسؤولية في الحد من انتشار مثل هذه الأنواع من المحتوى، ما يثير الكثير من التساؤلات حول مدى التزامها بالحفاظ على سلامة المستخدمين.
وشدد على أن العلاج الحقيقي لهذا الوضع لا يكمن في إدانة الشباب أو منصات التواصل الاجتماعي فحسب، بل يجب أن يكون في بناء ثقافة توعية متكاملة، تضع في اعتبارها ضرورة تنمية الوعي بمخاطر هذه الظواهر.
وأتم، يجب أن يتم التركيز على تعزيز القيم الاجتماعية والتربية على الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا، مع تعليم الشباب كيفية التوازن بين الشهرة الرقمية والنجاح الحقيقي في حياتهم، فحينها فقط، سيستطيع الشباب أن يتخذوا قرارات أكثر حكمة في عالم مليء بالإغراءات، ويحققوا النجاح بعيدًا عن الطرق المدمرة التي قد تضر بهم وبمجتمعهم.
آثار نفسية على هوية الشباب
وقال خبير علم النفس الأكاديمي، علاء الغندور، إن وسائل التواصل الاجتماعي جزء لا يتجزأ من هوية الفرد، لا سيما لدى الشباب الذين يرون فيها متنفسًا لظهورهم الاجتماعي والشخصي. واحدة من أكثر الظواهر لفتًا للنظر في هذه الوسائل هي تحديات "تيك توك"، والتي أصبحت تمثل وسيلة للشباب للتعبير عن أنفسهم في عالم رقمي سريع النمو، ومع ذلك، فإن هذه التحديات، تحمل في طياتها مخاطر نفسية كبيرة تؤثر بشكل عميق على الأفراد والمجتمع، وما يدفع الشباب للمشاركة في هذه التحديات ليس فقط البحث عن المتعة أو التسلية، بل رغبتهم العميقة في تحقيق القبول الاجتماعي والتقدير.
وتابع الغندور، في تصريحات لـ"جسور بوست"، بالنسبة للشباب، الذين غالبًا ما يكونون في مرحلة حساسة من تطور هويتهم، تمثل منصات مثل "تيك توك" مسرحًا مفتوحًا للمنافسة الاجتماعية، يعتقد الكثير منهم أن الشهرة الرقمية ستكون مفتاحًا لفتح الأبواب في حياتهم، سواء عبر فرصة تجارية أو مكانة اجتماعية أعلى، والسبب وراء هذا الاعتقاد يعود إلى أن الإنترنت قد تحول إلى مرآة معززة للذات، حيث يمكن للأفراد رؤية أنفسهم من خلال تفاعلات الآخرين، سواء كانت تعبيرات إعجاب أو متابعات.
وأشار إلى أن الدافع الأقوى في هذه الظاهرة هو "التحقق الاجتماعي"، وهو مفهوم نفسي يشير إلى الرغبة في الانتماء إلى مجموعة أو ثقافة معينة، وهو أمر مهم جدًا في مرحلة الشباب. تحقيق الشهرة على "تيك توك" أصبح مؤشرًا للنجاح الاجتماعي في هذه الفترة، حيث يعتقد العديد من الشباب أن عدد المتابعين والتفاعل الرقمي هو ما يحدد هويتهم وقيمتهم في المجتمع وبالتالي، يعزز هذا من شعورهم بالقوة والقدرة على التأثير، وهو ما يدفعهم إلى الخوض في تحديات خطيرة، دون أن يدركوا تبعات ذلك على صحتهم النفسية والجسدية.
وقال إنه عندما يقوم الشاب بتنفيذ تحديات محفوفة بالمخاطر، مثل القفز في النار أو تجربة أفعال قد تؤدي إلى إصابات خطيرة، يكون في الواقع قد دخل في حلقة من التوتر النفسي والضغط الاجتماعي وغالبًا ما يكون هذا السلوك نتيجة لافتقار إلى المهارات اللازمة لإدارة الضغوط الاجتماعية، ما يترجم إلى فقدان القدرة على التفكير النقدي، فينتج عن ذلك تزايد في "الإجهاد النفسي"، الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة القلق والتوتر، ويشكل أرضية خصبة للاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة تخلق فجوة بين تطلعات الشباب وما يمكن أن تقدمه لهم الحياة الواقعية، فالمكافآت الفورية التي يحصل عليها الفرد عبر عدد "الإعجابات" أو المتابعين تمنحهم شعورًا زائفًا بالقيمة الذاتية، ما قد يؤدي إلى صراعات داخلية عندما لا يتمكنون من الوصول إلى تلك المكافآت في حياتهم الشخصية، هؤلاء الشباب قد يواجهون لاحقًا مشاعر خيبة الأمل وفقدان الهوية عندما يدركون أن محاولاتهم لتحقيق النجاح لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة في حياتهم الفعلية.
واعتبر أن هذا الاتجاه في التفكير يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الأجيال القادمة. فالشباب الذي يبحث عن الإشباع السريع عبر هذه التحديات ليس فقط يعرض نفسه للخطر الجسدي، بل يعرض نفسه أيضًا لخطر كبير في صحة عقله. إن المجتمع بحاجة إلى تطوير آليات تربوية ونفسية توازن بين الاحتياجات الرقمية للشباب وبين حقيقة الحياة الواقعية، حيث لا يتم قياس النجاح فقط بعدد المتابعين على الإنترنت، بل بالأثر الحقيقي الذي يُترك في حياة الفرد والمجتمع من حوله.
وأتم، يمكن القول إن تحديات "تيك توك" قد تكشف عن جوانب مظلمة في حياة الشباب المعاصر، حيث يتداخل الضغط الاجتماعي مع احتياجات البحث عن الهوية. التأثيرات النفسية لهذه الظاهرة ليست فقط قصيرة المدى، بل قد تكون طويلة الأمد، ما يتطلب من المجتمع ككل توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء الشباب، لمساعدتهم على التوجيه السليم والتحكم في دوافعهم النفسية.